أحداث مؤلمة جدا هذا الأسبوع. منها قيام قطعان المستوطنين
بالهجوم على دير في القدس وكتابة "يسوع قرد" على الجدران. منها ألأحكام
بالسجن على المدافعين عن حقوق ألإنسان في البحرين. منها مصرع 60 شخصا غرقا العديد
منهم فلسطينيون حاولوا اللجوء إلى تركيا. ومنها من مصادر مستقلة تؤكد أن على الأقل
اثنين مليون سوري تضرروا بشكل مباشر من القتال الذي يذكرنا بالحرب الأهلية في
لبنان. ومنها مواصلة إسرائيل سياسة الاغتيالات. وقرار إسرائيل هدم مجمع تاخدمات
والمدرسة في عزة الطبيب (للمشاركة هنالك نشاط السبت الساعه 12) والقائمة تطول.
يزيد الضغط علينا تحت الاحتلال ويؤدي ارتفاع الأسعار (غذاء
وسلع أساسية والبنزين) إلى ارتفاع مستمر في نسبة الفقر وفي نسبة الغضب الشعبي. في
كل بلدة في المناطق المحتلة كانت هناك مظاهرات صاخبة وإغلاق الشوارع أمام حركة
المرور ومطالبة بالتغيير. يؤلمنا أن بعض الشباب (ربما مدسوسين أو غير مثقفين) استغلوا
الوضع لتخريب الممتلكات الخاصة والعامة. في بيت ساحور تحدث الشباب الأكثر عقلانية مع
بعض المتطرفين لوقف التخريب وثم تعاونوا لتنظيف الشوارع من الأنقاض وإخماد الإطارات.
مثل كل الثورات يقودها الشباب بعفوية وقد يكون النشاط غير واضح ألأهداف وهناك قوى
سياسية تحاول ألاستحواذ أو التحكم أو منع أو تضليل الحركة الشعبية الوليدة. بالمقابل
هناك أشخاص أمناء ومثقفين تعمل بصدق وإخلاصالزراعة،لحراك الشبابي المستقل.
ليس من الواضح أين يتجه كل هذا. مجموعة من العوامل تلعب
دورها في البؤس الاقتصادي والسياسي. أولا وقبل كل شيء الاحتلال الإسرائيلي
والاستعمار. استهدفت الحركة الصهيونية بشكل منهجي كل ما يعيلنا: الزراعة ،
والسياحة، والصناعة، والتعليم وغيرها. وطبعا كان هنالك تواطؤ وتعاون غربي وعربي.
أي دارس جدي للتاريخ يُدرك بسرعة مدى المؤامرة لتصفية فلسطين والهوية الفلسطينية
واستبدالها ب"القومية اليهودية" المصطنعة والوهمية. دولة إسرائيل مسئولة
مسؤولية مباشرة عن أن لدينا اليوم ملايين من اللاجئين الفلسطينيين ومسئولة عن
الحروب المدمرة والصراعات الإقليمية. وشعوب العالم تُدرك أكثر فأكثر الخطر من
الكيان الصهيوني على أمن العالم.
للأسف مقابل زيادة التفهم والمساندة لنا فان قيادة منظمة
التحرير الفلسطينية بدأت بالتراجع منذ برنامج العشر نقاط عام 1974 ثم جاءت معاهدة
السلام بين مصر وإسرائيل ومنها رأت الحركة الصهيونية أنها لن تُقهر. هذا أدى
مباشرة إلى مشاريع إسرائيلية لسحق المقاومة بغزو لبنان في عام 1982. وتبعها
اتفاقات أوسلو الكارثية. إنشاء السلطة الفلسطينية من دون وجود نية لإنهاء الاحتلال
والاستعمار والفصل العنصري كان خطوة رائعة الإسرائيلية بدأت بأفكار عام 1968 وطُبقت
في 1993-1995). حددت إسرائيل مهمة السلطة الفلسطينية في جعل الاحتلال أكثر ربحية
وأقل غلبة لدولة إسرائيل. بدلا من 4000 جندي إسرائيلي في منطقة بيت لحم، لدينا
4000 من أفراد الأمن الفلسطيني لضمان عدم الاحتكاك. الاتفاقات أسفرت أيضا عن وهم
"عملية السلام" عبر مسار "دولتين" (وهو الشيء الذي لم ولن
يكون). استفادت إسرائيل من تطبيع وضعا وازدهر اقتصادها بنفس الوقت الذي سار فيه
الوضع الفلسطيني من سيئ لأسوأ. ولم يحاسب أحد على ألأخطاء أو الفساد. 20 عاما مرت
وازداد عدد المستوطنين إلى 650,000 مستوطن يعيشون الآن في الضفة الغربية. تهويد
القدس يتسارع. إسرائيل تواصل تدمير حياة الفلسطينيين في الجليل، في النقب، في
القدس، في غزة وفي البانتوستانات الأخرى.
في مقابل البقاء شريكا صامتا في الجرائم إسرائيل تسمح
باقتصاد التسول. بروتوكولات باريس الاقتصادية تضمن الهيمنة الإسرائيلية على
الموارد الطبيعية وعلى معظم مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني. الاقتصاد الفلسطيني هو مجرد سوق أسيرة للبضائع والخدمات
الإسرائيلية. حتى "المساعدة الإنسانية" القادمة من الدول الغربية
والشرقية والتي أصبحنا نعتمد عليها مربحة للكيان الصهيوني. بعض النخب فلسطينية استفادت
بفلل وسيارات وحسابات بنك ولم يتساءل أحد "من أين لك هذا".
تم إنشاء نظام لضمان اصطناعي لشريحة من السكان
الفلسطينيين مبسوطة على وضعها ولذا مستعدة لقمع أي انتفاضة محتملة ضد الاحتلال.
هذه الشريحة تعمل بقصد أو بدون قصد لحماية الوضع الراهن. الرهان الإسرائيلي والأمريكي
هو أن من الصعب أو المستحيل التخلي عن امتياز من أجل أهداف وطنية كبيرة. العدالة
والعودة للاجئين والقدس والتحرير وغيرها تصبح شعارات قديمة وُضعت على الرف أو
ملقاة في سلة المهملات. بدلها يمكن تزيين المكاتب الممولة من الخارج بميداليات "البراغماتية/الواقعية"
المصنوعة في عواصم تدعي الديمقراطية والممولة من المانحين الغربيين. توقعت قبل عدة
سنوات أن هذا النظام غير قابل للاستمرار فمن الصعب الحفاظ على عدد كاف من المستنفعين
مقابل 11 مليون فلسطينيين غير مستنفعين. وحتى النخب الإسرائيلية بدأت في التشكيك
في قدرة السلطة الفلسطينية الحفاظ على "الهدوء". هنا تكمن أهمية الحراك
الحالي.
ربما توضيح بسيط لشرح أن التغيير قادم. دعت السلطة
الفلسطينية للانتخابات البلدية في الشهر المقبل (تشرين الأول). الانتخابات البلدية
تأخرت عامين عن الموعد المحدد بحجج مختلفة. لجنة رئاسية والفروع المحلية للفصائل
الوطنية عملت على تسييس الانتخابات. رئيس بلدية بلدتي بيت ساحور هو من حركة فتح وقرر
خوض الانتخابات مرة أخرى. آخر مرة كان التحدي الرئيسي من الأطراف ذات الميول
اليسارية. أعضاء حماس مطاردين هنا كما القوى العلمانية مطارده في قطاع غزة ولذا
ليس هنالك قوائم لها. تنقسم الأحزاب اليسارية وإذا اتحدت يمكن أن تفوز. ولكن شيئا آخر
حديثا يثيرا لاهتمام الآن. تجمع الشباب ليعلنوا أنهم ليسوا مع فتح أو أحزاب اليسار
ويريدون التغيير. . الفيسبوك جمع الآلاف وتلت
ذلك مناقشات واجتماعات مثيرة جدا للاهتمام. تساءل الشباب لماذا لم يكن أعضاء المجلس
البلدي من اليسار راغبون أو قادرون على تحدي قرارات رئيس البلدية. الشباب يريدون
أن يكون المجلس البلدي ممثل لهم وفعال ويعمل بشفافية. إنهم يرفضون بعض تصرفات
الفصائل السياسية الراهنة و يرفضون الأنماط القبلية / العائلية. إنهم يعتقدون
التغيير للأفضل ممكن بأيديهم. لاحظت وجود تحول بين العديد من أعضاء مجتمعنا نحو
هذا النمط من التفكير والعمل. لاحظت أنه بدأت مناقشات داخلية حتى بين أعضاء أو
مؤيدي الفصائل السياسية لإعادة التقييم. في بعض الأحيان كانت مناقشات ساخنة كما
قيل لي من قبل بعض المطلعين المتعاطفين.
بالتأكيد للمجتمع الفلسطيني ديناميكية وحيوية ومرونة وهذا
يجعلني متفائلا على الرغم من أن هناك الكثير من العقبات والمشاكل التي واجهناها
(خصوصا "أوسلو" كارثة) وسنواجهها كشعب في الطريق إلى الحرية والازدهار. ونحن لا نراهن على القادة السياسيين وخاصة أولئك
الذين لا يسفتون شعبهم ولكن نثق بشعبنا الذي ضحى بالآلاف ولديه "تاريخ من
الأمل والإنجاز" *.
* كتاب "المقاومة
الشعبية في فلسطين: تاريخ من الأمل والإنجاز" الذي نشر في عام 2010 يُلخص أكثر
من 130 عاما في مواجهة التحديات الصهيونية والغربية والتواطؤ العربي.
No comments:
Post a Comment