Oct 15, 2011

Mandela and Barghouthi


قرائة مقارنة لكتب أسرى سياسيين : نيلسون مانديلا ومروان البرغوثي 
 مداخلة د. مازن قمصية

قرأت السيرة الذاتية لنيلسون مانديلا منذ سنوات عديدة. عنوانها "المسيرة الطويلة إلى الحرية" لأنها كُتبت بعد انتهاء نظام الفصل العنصري. كتاب مروان ليس سيرة ذاتية لأنها ملاحظات دقيقة عن فترة معينة ومسيرته ومسيرة شعبنا إلى الحرية ما زالت مستمرة. العنوان "ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي" يشير إلى جزء من الصراع. نحن ننتظر نهاية الطريق الى الحرية ونتلهف لقرائة كتاب فلسطيني بمثل هذا التاريخ لجنوب إفريقيا . 

يكرس الكاتب كتابه لزوجته وأطفاله، وإلى الشعب الفلسطيني، وإلى العالم العربي والإسلامي، ولجميع الذين يكافحون ويقاومون الاحتلال والاستعمار، وإلى زملائه السجناء. بالمثل مانديلا ذكر عائلته، وشعبه، والسجناء السياسيين الآخرين. 

البرغوثي يتذكر حياته في قريته كوبر حيث عمل وأحب ألأرض الخصبة. مانديلا أيضا يذكر بدايته الريفية في قرية صغيرة تدعى مفيزو حيث كان راع وحرث وأحب الأرض الخصبة.  ولكن تجد تجد بلدهما الكبيرة (فلسطين أو جنوب إفريقيا) في كل فقرة.


كلاهما إهتم بالتعلم والثقافة وقرائة الكتب.  إلتحق مروان في جامعة بيرزيت عام 1983 ولكن نظرا إلى المنفى وعوامل أخرى لها علاقة بالمقاومة فقد أنهى البكالوريوس فقط في عام 1994 (في التاريخ والعلوم السياسية). وحصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية في عام 1998. قاد كل من مانديلا والبرغوثي حركات شبابية ودفعوا ثمنها في الصغر. 

مانديلا مثل البرغوثي يكتب بالتفصيل عن السجن لفترات طويلة، عن التعذيب وسوء المعاملة، عن المقاومة، وعن كل ما تتوقعه من الذين خاضوا هذه التجارب. . كلاهما إتهمهم النظام  بقيادة مجموعات مقاومة مسلحة.  


مانديلا مثل البرغوثي يقول انه يُعاقب ليس لما فعله بل لما يمثل.

في هذه الكتابات تشاهد سمة رئيسية مشتركة للأسرى السياسيين: تواضع عظيم. على الرغم من أن بعض منا يعتبرهم قادة فهم أنفسهم ينظروا لدورهم كجنود وأفراد عاديين. انهم لا يرفعوا أنفسهم فوق الآلاف الذين يكافحون من أجل الحرية. البرغوثي يصف تعرضه للضرب على أعضائه التناسلية ويفقد وعيه وفي وقت لاحق يستيقظ ليجد شرخ في رأسه من السقوط وضرب جدار الاسمنت تاركا علامة دائمة. ولكن على الفور بعد وصفه هذا  يقول (ص 21) أن هذا هو مجرد مثال على ما تعرض له عشرات الآلاف من النشطاء. هذا الكتاب يعج بمواقف وتضحيات الآخرين وربما ذكر كاتبنا أسرى من فصائل أخرى أكثر من ذكره لأسرى من فتح. بالنسبه له القضية واحدة. ومن هنا تزيد قناعته بأهمية الوحدة الوطنية.

في منتصف الخمسينات وضع مانديلا خطة إنشاء هيكلية مركزية لحزب المؤتمر الوطني الافريقي وأ قنع زملائه القادة على اعتمادها. تعتمد الخطة على تشكيل خلايا قاعدية على مستوى ومنها تخرج قيادات على مستويات وسط وتضمن السرية ومستوى من الديمقراطية والعملية. البرغوثي أيضا عمل كقيادي ولكنه لا يذكر عمله التنظيمي. يمكن إستنتاج بعض الأمور مثلا عندما يتحدث كيف أنه لم يكن راضيا عن كيف كانت تمر القرارات في عهد الرئيس عرفات. ينتقد البرغوثي بطريقة بنائة القيادات الفلسطينية (مثلا سماحها للفاسدين). مع نقده الواضح  فهنالك ولاء البرغوثي لياسر عرفات رغم كل العقوبات والإغرائات له للتخلي عن أبو عمار. 

البرغوثي ومانديلا يتحدثان عن الحرب النفسية بما في ذلك لعبة المحقق الجيد والمحقق السيئ وطرق أخرى لكسر إرادة الأسير. البرغوثي يتحدث عن مدى أهمية الزيارات التي قام بها محاميه لكسر عزلته وجعله يشعر بصلة للحياة خارج السجن. مانديلا يشير أيضا إلى رفع المعنويه  التي تلقاها بمعرفة أن الشعب يدعم المقاومة ويدعم الأسرى. 

البرغوثي يصف الحبس الانفرادي بالموت البطيء (ص 81) ومانديلا يذكر "السنوات السوداء". البرغوثي كتب عن الكثير من الوقت للتفكير في السجن وذكر أفكاره بالتفصيل من شعوره بالتضامن مع جميع المضطهدين والمظلومين في جميع أنحاء العالم إلى فقر البرمجة في التلفزيون الفلسطيني (عندما سمح للقناة في السجون). يتحدث عن شغفه بقراءة الكتب ويتحدث عن حبه لعائلته. يتحدث عن تحرير المرأة ويتحدث عن تعلم اللغات في السجن. أفكار مانديلا في السجن تناولت قضايا مماثلة. 

البرغوثي يتحدث عن كيف أن القيادة الفلسطينية لم ترقى إلى مستوى التحدي أو نضال وتطلعات وتضحيات واحتياجات الشعب. ويتحدث عن كيف وضعت الولايات المتحدة والدول الغربية ضغوطا كبيرة على عرفات. في نهاية المطاف تم تعيين السيد محمود عباس رئيسا للوزراء. وفقا لبرغوثي عباس كان معروفا بمواقفه ضد المقاومة (ص 156). 

البرغوثي يقول في الصفحة 148 أن إسرائيل قادرة على هزيمة زعيم معين أو فصيل أو مجموعة من الناس ولكن لا تستطيع أن تهزم إرادة الشعب الفلسطيني. ويقول في عدة مواقع أن المقاومة في جميع أنواعها ضرورة للنجاح في تحقيق أهدافنا الجماعية فلا بد من زيادة كلفة الاحتلال والاستعمار وحتى جعله لا يطاق حتى يتراجع. 

البرغوثي يتحدث عن إستمرار نشاطاته السياسية في السجن. ويعطي أمثلة عدة من بينها إتفاق وقف اطلاق النار للفصائل الفلسطينية الذي طُبق في 19 ديسمبر 2001 عشية زيارة المبعوث الأمريكي الجنرال أنتوني زيني. واستمر وقف اطلاق النار التي لمدة شهر تقريبا حتى اغتيال اسرائيل للشهيد رائد الكرمي. 

البرغوثي يذكر أن اختطاف ابنه القسام كان مؤلما . رسالته الى ابنه أخذت 30 صفحه من الكتاب (أي 15%)! هذه الرسالة الفريدة  تذكر تاريخ فلسطين ، وتاريخ النضال ، وتاريخ الحركة ألأسيرة وأكثر من ذلك بكثير. ومن تواضع الكاتب أنه يعتذر لأننا لم ننجح أن نجنب جيل القسام ما مر به جيل أبو القسام.  هذه الرسالة تعكس أيضا مشاعر ومواقف البرغوثي في فترات رئيسية من حياته. كيف شعر عندما ولد ابنه بينما هو في السجن. كيف بنى علاقة مع زوجته على الرغم من كونه رجل مطلوب أو سجين لسنوات عديدة  (لغاية الآن 17 سنة). هذه الرسالة المفصلة تذكر التواريخ والأحداث والمناطق المحيطة بها وتضع القارئ (ابنه ونحن) في تلك الظروف. يتذكر وفاة والده 5 أغسطس 1985 ويتحدث عن آلام كثيرة. ويقول أن الاستجوابات والتعذيب والحبس الانفرادي كانت نفسيا أقل صدمة من نفيه إلى الأردن في أواخر الثمانينات (ألم المنفى بعيدا عن وطنه). ولكنه يقول انه بعد انضم عائلته إليه في المنفى وجد حياة أسرية تساعده في تخطي المرحلة الصعبة. الرسالة تنتهي مع توصيات يعطيها لابنه مثل أي والد يعطي لابنه. ولكن هنا توصيات حول ممارسة الرياضة في السجن، وحول قراءة الكتب ، وتعلم اللغات ، والحفاظ على علاقات ودية مع زملائه السجناء. 


هنالك فصل حول شريكة حياته وما تعنيه الحياة الزوجيةز

ينتهي الكتاب بفصل حول العملاء  في السجون الاسرائيلية مما له دلالته أنه قرر أن يفضح الأساليب الخسيسة للتعاون مع العدو. وبالمثل السيرة الذاتية لمانديلا تتضمن قسما عن الخيانة. 

وصف أوليفر تامبو مانديلا بأنه عاطفي، شجاع، صبور، وحساس. أنا لم ألتق مانديلا أو البرغوثي شخصيا ولكن بعد قراءة هذه الكتب يمكنني أن أقول إنني أتفق مع هذه الوصف وأضيف  على مانديلا والبرغوثي صفات أخرى: صدق، تواضع، ذكاء، قدرة متفوقة على التعبير .... ويمكن أن أستمر ولكن لضيق الوقت سأترك ذلك للمؤرخين لإعطاء هؤلاء الأبطال ما يستحقونه. معرفة هؤلاء الأشخاص (على الأقل من خلال كتاباتهم) وكتابات الآخرين عنهم تضيف إلى اقتناعنا بأن الحرية أمر لا مفر منه للدول التي لديها مثل هؤلاء الأفراد.


لي الشرف أن أتعرف اليوم على زوجة مروان وأقول لها أنني أرسلت هذه الملاحظات عن الكتاب بالإنجليزية لقائمة ألإيميل الكبيرة كما فعلت عندما كتب زوجك لائحة إتهام لإسرائيل سنة 2002. وصلني العديد من الردود بالتسائل حول ترجمة الكتاب إلى اللغة ألإنجليزية وأرجوا أن يكون هذا بالمخطط وأنا مستعد للمساعدة.

وشكرا.

No comments:

Post a Comment