أ.د.
مازن قمصية
كثير
منا لا يعلم حقائق تاريخ الفلسطنيين في بلادهم وأن العرق الكنعاني في دمنا ولباسنا
وأكلنا وأن كثير من قصص الأديان مل صراع الملك داهود مع الفلسطينيين هي قصص دينية
ليس لها تاريخ في علم الآثار. تاريخ فلسطين تاريخ طويل حافل بالمآسي والنجاح ، بالأمل والعطاء ولكنه ضائع. مع
الأسف وحتى بين شعبنا العربي هناك طمس لبعض الحقائق والمعلومات التي قد تتعارض مع
بعض الإتجاهات السياسية المعنية وهنالك صهينة لتاريخنا وتطبيع يتماشا مع مصالح
المستعمرين.
الأمثلة
عديدة وتشمل تغيير حقائق (مثلا عن تاريخنا
الكنعاني) وطمس حقائق أحر مثلاً وعدي بلفور البريطاني وكامبون الفرنسي 1917 والذين
كانا لأن الحرك الصهيونية وعدت بجلب الولايات المتحدة للحرب العالمية الأولى .
هنالك أيضا تعاون الحركة الصهيونية مع القيادات العربية وحتى مع الحركة النازية
لتصفية الشعب الفلسطيني وقضيته -- تعاون شمل زيارات واتفاقيات رسمية وأموال.
في
هذا المقال لن أستطيع التطرق لهذا التاريخ بشكل أوسع (كتبي فيها هذه المعلومات)
ولكن أود أن الخص أفكار الحلول العادلة والشاملة والنشاطات التي تقام ويمكن أن
تقام لتحقيق هذه الحلول. بعض ما يكتب هنا هو تلخيص كما ورد في كتابي "مشاركة
أرض كنعان: حقوق الانسان والصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
من
التاريخ:
دراسات
الآثار وعلوم الوراثة الإنسانية، تؤكد أن الشعب الفلسطيني بالأغلبية الكثيرة منحدر
من الشعوب الكنعانية." ارض كنعان" من الآرامية كلمة قنعان من قنع يقتنع بمعنى
الأرض خصبة (الهلال الخصيب وبداية الزراعة في العالم وبداية الحضارات هنا). اللغة "السامية"
القديمة هي الآرامية والتي كانت لغة العالم التجارية أيضا قبا 5000 سنة. الأحرف
الأرامية الأصلية تحولت إلى الأحرف العربية بين الشعوب الكنعانية في جنوب الأردن
وفلسطين ( النبطيين وهم الذين بنوا عدة مدن منها غزة والبتراء وبئر السبع). الحروف
الآرامية أيضا تحولت للحروف العبرية وللحروف اللاتينية. أنا كمسيحي عربي أذكر دائما أن حضارتي
هي الحضارة الإسلامية العربية والتي أغنت واندمجت مع الحضارة الكنعانية الآرامية. لغتنا
ولهجتنا الفلسطينية وكلماتنا هي مزيج تقريبا متساوي من الآرامية (مثلا جوا, برا, حاكورة,
شباك’ بعل, ألخ) والعربية. الحضارة الإسلامية العربية كانت مهمة جدا. أمثالنا
الشعبية هي إسلامية عربية (مثلا من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف) وأيضا من
الكنعانية الآرامية (التي جمعها جدي عيسى عطاالله ونشرها في كتاب شامل).
من
ناحية الديانات فإنّ الديانة الوحداوية (وحدة الله) ثبت وجودها في عدة أماكن في
غرب آسيا من إيران إلى مصر. الديانة اليهودية المتبعة حالياٌ في معظم البلدان
تطورت في القرن الثالث الميلادي وهي لا تشبه إلا بأمور شكلية الديانة اليهودية،
التي وجدت زمن ولادة عيسى المسيح ومما لا
يعرفه الكثير أن الشعب اليهودي الأوروبي بالغالبية اعتنق الديانة اليهودية
الحاخامية (المحوره) في القرون الوسطى (1200-1500 بعد الميلاد). كانت هناك دولة الخازار والتي قرر ملكها أن يحول
شعبه للدين اليهودي لسهولة التعامل بين الدولة البيزنطية والدولة الإسلامية وقد سمي أتباع هذا الدين بالأشكنازا (Ashkenaz)،واللغة
التي استخدموها هي لغة اليديش (Yiddish). من
بينهم من طور فكرة الصهيونية العالمية وهي فكرة تأسيس الدولة اليهودية (والخيارات
كانت تشمل دولة فلسطين أو إفريقيا أو جنوب أمريكا) كملجأ آمن للصهاينة المتحكمين
بالعالم (وليس لليهود).
الصهيونية
حركة قوية ومنظمة، نجحت أيضا بسبب الضعف العربي في تحقيق جزء من أحلامها.. هذا
الجزء الناجح تطوير قومية ولغة عبرية لم يكن ضمن أجزائها الرئيسية والتي تتطلب قوة
عسكرية ضخمة وهيمان إقتصادي على العالم الواقع في محيطها وأكثر من ذلك فإنّ طموحات
الصهيونية عالٍ جداً ولا مجال لذكرها هنا، من المهم أن نؤكد هنا أنه يوجد الكثير
من اليهود (سواء متدينيين أو غير متدينيين) لم يقتنعوا بالحركة الصهيونية ويعتبرون
أنغسهم اما ضد الصهيونية او فقط لا صهيونيين.
والصهونية
والإمبريالية الأوروبية لهما تاريخ حافل يشمل
عام 1845 عندما أسست بريطانيا أول مؤسسة صهيونية و عام 1880 عندما مول
البريطانيون الصهيونيون أول مستعمرة لليهود الأوروبيين في فلسطين إلى عام 1919
عندما قدمت الحكومات الفرنسية والبريطانية وعودها (جولس وبلفور) بجذب مساعدات
للصهاينة في امريكا وغيرها لصالح هذه الحكومات في الحرب العالمية الأولى وفي عام
2002 عندما دفع اللوبي الصهيوني أمريكا لحرب العراق الأخيرة.
السلام
العادل لقضية فلسطين:
السلام
العادل والشامل لقضية فلسطين يحقق ما يسمى الثوابت الفلسطينية وهي حق العودة للاجئين
الفلسطينيين وحق تقرير المصير والديموقراطية التي تشمل المساواة وحماية حقوق
الجميع. اقامة دولة عاصمتها القدس لا يجب أن تأتي على حساب حقوق الإنسان.
نقطة
مهمة: في فلسطين الآن لا يمكن اقامة دولتين ذات سيادة فلسطينية وإسرائيلية إلا إذا
كان هذا حل انتقالي لسلام شامل يشمل المشاركة والمساواة في ظل حكم واحد.
سأبدي
هنا بعض الأسباب لهذا (للتفصيل أنظر كتابي عن مشاركة أرض كنعان):
1. لم
ينتهي أي استعمار آخر بدولتين. الخيارات الثلاثة لإنهاء الإستعمار هي: 1) نموذج
الجزائر 2) نموذج استراليا (إبادة السكان الأصليين), 3) نموذج معظم الدول (جنوب
أمريكا, كندا, آسيا, جنوب افريقيا) وهو التعايش في دولة واحدة . الإستعمار لا يمكن
أن يقبل حق الشعب الأصلي حتى في العيش في منطقة صغيرة جدا لأن هذا يقوض فكرة
الإستعمار (فما الفرق بين رام الله وحيفا)
2. فلسطين
كانت دائما تعدادية ترفض الهيمنة (مثلا رفضنا الصليبيين). رحبنا باليهود والأرمن
والشركس والدروز والأثيوبيين المسيحيين والمغربة وغيرهم. التنوع هوة قوة سواء في
الحيوانات والنباتات (الطبيعة) أو في المجتمعات الإنسانية. أفكار الهيمنة
والعنصرية تفشل سواء من الصليبيين أو النازيين أو البيض في جنوب إفريقيا أو
الصهاينة.
3. الأرض صغيرة جدا ولا سبيل إلى تقسيمها فهناك أمور كالموارد الطبيعية من
مياه وغيره وموارد سياحية(مثلا القدس للديانات الثلاثة) التي لا يمكن فصلها. هذا
بدون ذكر البيئة والأقتصاد وغيرها).
4. معظم
اللاجئين هم من أراضي 1948 وحقهم للرجوع فردي وجماعي
لا يمكن التخلي عنه في ظل سلام عادل يستمر وإنّ حق الرجوع هذا لا يتناسب مع دولة
تعرف نفسها أنها يهودية ولها قوانيين عنصرية.. من هذه القوانين قوانين تعطي الحق
لأي يهودي في العالم (أي من يعتنق الديانة اليهودية) بأن يأتي إلى إسرائيل (أي
فلسطين) ويحصل على الجنسية الإسرائيلية مباشرة والعيش على أرض فلسطينية مستعصبة.
على اية حال عودة اللاجئين وأخذ حقوقهم الطبيعية يعني نهاية حل الدولتين (دولة
يهودية اسرائيلية ودولة فلسطينية).
5. إن
مفهوم العالم للدولة يتغير. مفهوم الدولة الوطنية تطور خاصة في أوروبا بعد إنهيار
الإمبراطوريات الأوروبية. الأوروبيون الإستعماريون الإمبريالييون بعدها طوروا هذا
المفهوم للبلاد التي استعمروها لفترة تعطيهم إمكانية السيطرة.من خلال مغهوم فرق
تسد وهكذا نشأت دول كلنا وتنراينا وتونس والمغرب في بلاد وأرض لم تكن تعرف هذا
المبدأ (الدولة الوطنية ) (State Nation). وكما نعرف فإن الأوروبيين الآن في طريقهم
للتخلص من هذا النظام وخلق نظام جديد : الإتحاد الأروبي. وبقينا هنا في العالم
العربي نحمل العبء الأوروبي القديم.
هذه
أربع أسباب من عدة أخرى يمكن ذكرها والتي يجب أن نبدأ كفلسطنيين وككل سكان غرب آسيا
(من عرب وغيرهم كالاكراد وعبريين) بالتفكير فيها. ويجدوا هنا ان أذكر أن هذا لا
يعني التخلي عن تراثنا وحضارتنا وأفكارنا الأخرى ولا عن إنتماءاتنا الطبيعية
والعقائدية.
الحضارة
في الأندلس مثال على التآخي والازدهار
والاقتصاد والفكر والذي شمل مفكرون وباحثون مسلمون ومسيحيون ويهود ولغات متنوعة وجمع
تاريخ اسباني وعربي وانفتاح على العالم بأكمله. هذه الأولوية التي لا ترى حدوداُ
بأشباك وبجذور بل ترى جسورا على العالم بين الشعوب والأمم "وجعلناكم أمماٌ
وشعوبا لتتعارفوا".
كما
ذكرت سابقا فإن تاريخ فلسطين هو مزيج من الكنعاني الأصلي والعربي ومزيج من
الديانات. هذا يجب في رأيي أن يحثنا على العمل باتجاه التعدادية ورفض سرقة تراثنا
(حتى كلمة شاقل كوصف للعملة الفلسطينية هي كنعانية وليست اسرائيلية أو يهودية). هنا
نستطيع في فلسطين أن نقود العالم على النهج الصحيح ليس نهج العنصرية والطائفية والكراهية.
كيف
نغير الأمور
هناك نشاطات جيدة لصالح
الحل الشامل والعادل وهناك الملايين المتضامنين معنا حتى في الولايات المتحدة و
بريطانيا بدأت حملات قوية في المظاهرات والإعلام الصحفي والمقاطعة وسحب الإستثمار
كما حصل ضد العنصرية في جنوب افريقيا هناك الدعم للصمود الفلسطيني وهنال الكثير من
النشاطات التعليمية وغيرها. ومع الاختلافات السياسية هناك خاصة في الجيل العربي
الجديد تطلعات وإمكانيات يفتخر بها. ومع تطور الحاسوب الالكتروني والانترنت اصبحت
إمكانيات التقارب والتعاون للخير أكثر. ليس هناك نقص في الامكانيات والقدرات. التغيير
الشخصي يأتي عن طريق العمل. العمل الميداني (المقاومة الإيجابية البنائة) هي التي
تقود التغيير. للنزل جميعا لميادين العمل. التشخيص خطوة ولكن الخطوات العملية
للعلاج (العمل) أهم.